ما هو حكم تداول العملات الرقمية
حكم تداول العملات الرقمية اليوم في ظل الثورة الرقمية التي يشهدها عالمنا المعاصر.
والتي أفرزت مستجدات ومعاملات لم تكن تخطر على بال الأجيال السابقة.
ومن أبرزها ظهور ما يعرف بـ العملات الرقمية المشفرة، وفي قمتها البيتكوين.
التي هزّت أسواق المال العالمية والمنتجات التقليدية بالتداول والاستثمار.
واجتذبت ملايين المستثمرين والمتداولين حول العالم.
وقد حملت من الجدل الفقهي والشرعي ما يستدعي الوقوف عندهُ وتحليلهُ بشكلٍ أفضل.
وإذا كان سوق العملات الرقمية يتوسّع يومياً، ويعمل على جذب شريحة واسعة من المسلمين، فإن السؤال الذي يفرض نفسهُ هو: أين يقف الحكم الشرعي وهل تداول العملات الرقمية حلال ؟
وهل يمكن أن تنتقل الأصول الافتراضية في سجلات رقمية (بلوك تشين) إلى رتبة نقود.
إذا ما نظراً إلى الإشكالية والتي تتعلق بتحديد حقيقة العملة الرقمية والطبيعة الشرعية.
ثم بيان حكم عملية التداول ثانياً، فنحن في توصيات نحاول تحليل واستقصاء الأدلة، بعيداً عن التحيّز، أو التسرّع في الإفتاء، ولنعرض آراء أهل العلم والفتوى، من خلال ضوابط الشريعة الإسلامية.
الإشكالات الفقهية في حكم تداول العملات الرقمية
بغض النظر عن الخلاف الشرعي بالتصنيف، فإن عملية تداول العملات الرقمية نفسها تحمل الإشكالات الفقهية الجوهرية التي يجب فحصها بكل عناية، إذ الحكم على التداول لا يعتمد فقط على الحقيقة والأصل ذاتهُ، بل على كيفية التداول وما يحيط به من ظروف.
الإشكالية الأولى: الغرر والجهالة
الغرر هو ما يكون مجهول المستقبل للقيمة، وهو محرّم في المعاملات لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «نهى عن بيع الغرر» (رواهُ مسلم). والجهالة فيه التي تؤدي إلى النزاع المحظور.
وتُعتبر الإشكالية في حكم تداول العملات الرقمية من أبرز أسباب تحريم العلماء لتداول الكريبتو، وذلك للأسباب التالية:
- التقلب الكبير: أسعار العملات الرقمية تعرف بتقلبات جنونية غير مسبوقة، ويمكن أن يفقد الأصل 50% أو أكثر من القيمة خلال ساعات يوم واحد. وهذهِ التقلبات التي تحصل بشكلٍ مفاجئ تجعل عقد الشراء أشبه بالمقامرة.
- الجهالة في القيمة: بسبب التقلبات، تكون القيمة الحقيقية للعملة مجهولة بشكل كبير، وهو ما يخالف شرط العلم بالثمن في البيع.
- الربح بالمضاربة: كثير من عمليات التداول تقوم على المراهنة بتحركات الأسعار وليسَ على الاستثمار في أصل حقيقي، مما يجعلها داخلة في نطاق “بيع الغرر” المحرم، التي يربح فيها أحد الطرفين على حساب الآخر مقامرة.
الإشكالية الثانية: الربا
الربا محرّم بشكلٍ واضح جداً ومن خلال نصوص القرآن والسنة.
وتظهر إشكالية الربا في عالم العملات الرقمية في سياقين:
- الإقراض بفائدة: من المعروف في شركات تداول العملات الرقمية تقدم خدمات إقراض العملات الرقمية للمتداولين بفائدة محددة وهو ما يسمى (تمويل الهامش أو Margin Trading).
هذا النوع من المعاملات هو الربا الصريح المحرم، فيقترض المستخدم عملة ويلتزم بإرجاعها مع زيادة محددة.
الإشكالية الثالثة: عدم خضوعها للجهات الرقابية
أهم مقاصد الشريعة الإسلامية الحفاظ على الأموال.
ومن أهم الوسائل لضبط ذلك وجود جهة رقابية تَحمي حقوق المتعاقدين وتردع الغشاشين أيضاً.
والعملات الرقمية خاصة اللامركزية منها، تعمل في فراغ رقابي إلى الأن، وصحيح هناك عمليات تنظيمية في بعض الدول لكن إلى الأن لا يوجد ضامن حقيقي بشكل واضح ودقيق يمكنك الرجوع إليه في حال حدوث إشكال بينك وبين الشركة الوسيطة لللتداول.
الإشكالية الرابعة: استخدامها في الأنشطة غير المشروعة (غسيل الأموال)
بالنظر للطابع شبه المجهول واللامركزي، أصبحت العملات الرقمية وسيلة مفضلة لتمويل الأنشطة غير المشروعة مثل:
- غسيل الأموال.
- تمويل الإرهاب.
- تجارة المخدرات والأسلحة عبر dark web.
وشراء أو تداول عملة مع العلم بأنها ستستخدم في هذه الأمور المحرمة، يؤدي إلى حرمانية حكم تداول العملات الرقمية .
الضوابط الشرعية للقبول بالعملات الرقمية
من أجل تفصيل حكم تداول العملات الرقمية لا بد من تحليل الحقيقة للعملات ومدى الانطباق وتعريف النقد الشرعي.
وقد وضع الفقهاء شروط رئيسية للنقد الذي يجوز التعامل بهِ.
كما وأهمها الثمنية والقبول العام، وجود غطاء أو قيمة حقيقية مُستقرة، ونتناول هذهِ الشروط فيما يلي:
شرط الثمنية والقبول العام في الفقه الإسلامي، النقد هو كل ما يصلح أن يكون مقياس للقيم ووسيط يقبل به في المبادلات، وخازن للثروة .
وجهة نظر المانعين: يرى علماء الفقه الإسلامي أصحاب هذا الرأي أن العملات الرقمية، وعلى رأسها عملة بيتكوين، التي تفتقر إلى القبول العام بشكل إجماع في الدول، فقبولها لا يزال محدوداً في نطاق ضيق من المتداولين والمستثمرين وبعض الدول القليلة جداً.
وجهة نظر المجوزين بشروط: يرى بعض علماء الإسلام أنّ القبول ليس شرط يكون منذ اللحظة الأولى، بل هو أمر متدرج. والعملات الرقمية تحقق قدراً من القبول، وإن كان غير كامل، يتزايد مع الوقت.
ويشيرون إلى أن النقود الورقية نفسها مرت بمرحلة انتقالية حتى حازت القبول الذي تتمتع به اليوم.
فوجود جماعة من الناس تتقبلها وتتعامل بها كوسيط للتبادل قد يكفي لاعتبارها “نقداً” أو “شبهاً بالنقد” في دائرة ذلك القبول، مما يبيح التعامل بها بينهم.
شرط الغطاء القانوني وارتباطه بالقيمة الجوهرية
إذا كنت تريد أن تقول أن حكم تداول العملات الرقمية حلال فالغطاء القانوني أمر جداً مهم فالعملات التقليدية (الريال، الدولار، اليورو) لها غطاء قانوني وقوة إلزامية من قبل الدولة (السلطة السيادية) التي تصدرها، وهذا يضمن حداً أدنى من الثقة والاستقرار، ويجعل لها قيمة “اعتبارية” مستمدة من ثقة الناس في تلك الدولة وسلطتها.
فالعملات الرقمية تفتقر إلى هذا الغطاء، فهي لا تصدر عن أي بنك مركزي أو حكومة، ولا يوجد جهة مركزية تدعم قيمتها أو تضمنها.
هل العملات الرقمية أموال حقيقية أم مجرد أصول افتراضية قابلة للتداول؟
بناء على ما سبق، تبرز ثلاثة تصنيفات فقهية للعملات الرقمية:
فأموال غير حقيقية (عروض تجارية/ أصول افتراضية): وهو رأي الكثير من المانعين، مثل قرار “هيئة كبار العلماء” في السعودية، والذي اعتبر البيتكوين “عروض تجارية” لا نقوداً، وأن تداولها بهدف الاسترباح (الربح السريع) هو من “المقامرة” المحرمة لشدة غررها وعدم استقرار قيمتها.
ويشبهها البعض بأسهم الشركات ذات التقلبات الجنونية، أو سلع شديدة المخاطرة.
ما حكم شراء العملات الرقمية والاحتفاظ بها كاستثمار طويل الأجل (HODL)؟
هذا النمط يُخرج العملة من حيز المضاربة المحضة ذات الغرر الفاحش إلى دائرة الاستثمار، ويقلّل من إشكالية الجهالة قصيرة الأجل. ومع ذلك، يبقى الحكم مرتبط بتصنيف العملة:
إن اعتبرت أصول أو سلع: فيجوز شراؤها والاحتفاظ بها على أمل ارتفاع قيمتها، بشرط أن تكون العملة نفسها مشروع (ليست مصممة لأغراض محرمة)، وأن يتم الامتثال لضوابط البيع.
إن اعتبرت نقود غير مستقرة: يرى بعض العلماء أن الاحتفاظ بها كاستثمار لا يزيل المخاطر الجوهرية من تقلبها الشديد وعدم ضمان قيمتها، مما قد يجعلها تدخل في نطاق “إضاعة المال” المنهي عنه.
يمكنك الاطلاع على اخر اخبار التداول في موقع توصيات
اقرأ المزيد عن فتاوى الفوركس